في الواقع حديثي عن التعليم ليس المقصد منه أن أقول بأنني لست مقدّراً لأوضاع البلاد ولا بالموجة الهوجاء التي تصيب الشعب ولا تحقيراً لدماء الأبناء والبنات التي اُريقت بغير وجه حق على هذه الأرض الطاهرة المسالم أهلها ولكن، إن لم نتحدث عن الأمر ونُثِر غبار هذا الموضوع فسيذهب الآلاف المؤلّفة من أطفالنا وبناتنا إلى غياهب الجهل وتشردم العيش، فأصبحنا لا نسمعُ إلا خططاً زائفة وأحلاماً واهية ومقترحاتٍ من أجل تنمية البلاد والعجيب في الأمرِ أن أيّاً من هذه الخطط لم تشمل يوماً سواءً قبل الحرب أو أثناءها فكرة تطوير التعليم ورفع مستوى العلم لدى المواطن اليمني الذي شريحته الوسطى من الشعب ما بين أميٍّ وجاهل. كلا كلها خطط لبناء العمران ورفع مدخول الدولة من الدولارات التي لا تصل إلى المواطن أبداً.
ولا أعني بالتعليم هنا تعليم المساجد فهذا التعليم الكهنوتي انا كافر به أصلاً ولا اظنّه بل لا أراه يُعوّل عليه إنشاء جيل له القدرة على التفكير ومَلَكةُ نقده قائمة بل سينشئ جيلاً من الأجساد لا روح فيها وآلات وظيفتها تنفيذ الأوامر بغير تفكير وتقديس اقوال القدماء بلا شك ولا تشكيك بل يُنمّى لدى الطفل أن التفكير بأمر ديني هو كُفرٌ بواح (والازهر وجامعته مثالان شاهدان على كلامي) وهكذا تعليم يؤسس لنا بوادر الأفكار السلبية والمتطرفة فـ "قلوب المبتدئين كالشمع سهلٌ النقش عليها" كما قال العارف بالله أحمد الرفاعي، وأنا أزيد عليها "وعقولهم رهيفة كالشعرة سهلٌ إعوجاجها" فأصغر شرذمة من أهل اللحى بكلامه المعسول من الممكن أن يلعب بعقله الصغير ويوجهه إلى مناحي الشر والفساد.
ولا أقصد بالتعليم كذلك تعليم المدارس التنميطي والذي يهدف إلى ترقيع مخلفات الأول وتقوية بناءها فينشأ لنا جيل معاقي الفِكْـر، معدومي الحس، جيلٌ يهمّه الشهادة والتقدير قبل العلم والمعرفة والثقافة فمهمة المدرسة الأولى (هذه الأيام ) هي تعبئة عقل الطالب والطالبة بما قد لا يحتاج إليه ولن يفيده في حياته وكأن المدرسة قد خُلقت لرفع مستوى كراهية الطالب للعلم والمعرفة اللهم طبعاً المعرفة الدينية التي يتفنون بها.
والحقيقة. الاثنان بلاء مقيم وشرهما مستديم وأظن أن الحل يكمن في الدراسة الذاتية أولاً وبإعادة تنشئة المدارس ثانياً ورفع وعي المعلمين والمعلمات ثالثاً وهذا إن أرادوا إصلاحاً كما يزعمون، فكما يقول الفيلسوف وعالم الرياضيات وأستاذ التربية برتراند راسل "لا يولد البشر أغبياء بل جهلة، ثم يجعلهم التعليم (ويقصد بذلك تعليم المدارس) أغبياء."
فـ"أفتوني في رؤيايَ إن كنتم للرؤية تفقهون"؟